فبراير 4, 2025
1083 views
حسن الحضري
يحظى الجانب الأُسَري والاجتماعي بحضورٍ وافرٍ في الأعمال الروائية والقصصية للكاتبة والإعلامية المصرية سعاد سليمان، لذلك فهي تختار شخصياتها الروائية بمقاييس القابلية للأحداث التي تفتح لها الأبواب لتوجِيه نصائحها ورسائلها في النقد الاجتماعي، وفي روايتها (آخر المحظيات) تبتدئ من النهاية؛ مِن موت زوج البطلة، ثم تسرد الأحداث في سياق الذكريات التي تستعِيدها بطلتها (زينة)؛ التي اكتشفت بعد وفاة زوجها (رامي) أنه لم يكن مخلصًا لها، واكتشافها المتأخر جعلها تندب حظها بكلمات وصلت إلى حدِّ الهذيان: «لماذا متَّ، وكيف تموت دون أن أشفي غليلي، لماذا الآن، كيف أسترد حقي منك؟!».
فقد اكتشفت هذه المرأة حقيقة زوجها حين فحصت هاتفه المحمول بعد وفاته، فوجدت رسائل العشق والغرام مرسلة إليه من رقمٍ مجهولٍ، علمت (زينة) ذلك في الوقت الذي كانت تتساءل: «هل تحزن الكتب لفراق أصحابها؟ حزينة كتبك بعدك يا رامي، أكاد ألمس آهات الحزن بين أرفُفِ المكتبة الضخمة، وتلك الأوراق المبعثرة، أقلامك، رسومك العشوائية، وشخبطات قلمك على قصائد لم تكتمل صارت كئيبة!!»، وبينما هي تتأمل تلك الحال؛ إذْ رأت هاتفه المحمول ففتحته، فرأت الفاجعة، وتريد الكاتبة من ذلك توجيه رسالة تحذيرية إلى النساء بالانتباه إلى أفعال أزواجهن، وعدم الاطمئنان إلى الظاهر والاكتفاء به، لذلك تقول على لسان (زينة): «كانت كل الأسماء لِرِجالٍ، حتى الأسماء النسائية مسجلة باسم رجل؛ مثل مدام أحمد، مدام مصطفى، مدام حمزة..»، وهذا هو الظاهر، أما ما كان خافيًا عنها فهو ذلك الكم الكبير من الرسائل الغرامية التي وجدتها على هاتفه.
ونلاحظ أن الكاتبة تعبِّر بكلماتٍ مزدوجة المعنى والدلالة؛ كقول (زينة): «امرأة تتعذب بحب زوجي الذي لم أرَهُ أبدًا بهذه الكيفية، بهذا الإبداع الذي يحتويه سطور المرأة العاشقة، ماذا عشقتْ فيه؟! ماذا منحها؟! سطورها تقطر مرارة وحرمانًا لغيابه، لا يقل عن حرمانى في وجوده»؛ فهذا الكلام يحمل عدة نصائح؛ الأولى: نصيحة للمرأة أن تهتم بزوجها وتبحث في شخصيته عن جوانب الخير والسعادة التي إنْ هي أهملتها فقد تهتدي إليها امرأة أخرى، ثم تَخلُد هي إلى الندم، ومن جهة أخرى يحمل الكلام أيضًا رسالة إلى الرجل أنَّ من يهمل زوجته ويوجِّه اهتمامه وحبَّه إلى امرأة أخرى؛ فإنَّ الحرمان الذي تشعر به زوجته يؤدي إلى البُغض وقد يدفعها إلى ما لا تُحمَد عقباه.
كذلك توجه الكاتبة نصيحة جديدة للرجل، في إطار النقد الاجتماعي، فتقول على لسان (زينة): «لم يَعِ هذا الغبي أن النساء لا تُمْتِعهن الأيديولوجيا ولا الأفكار الفلسفية حتى لو كان صاحبها سقراط نفسه»، فالكاتبة تنصح الرجل بأن يجعل أولويات حديثه مع زوجته فيما تريده الزوجة من زوجها وليس في شؤون أعماله التي قد تكون زوجته لا تدرك شيئًا منها، ونظرًا إلى أهمية هذا المعنى أكدته الكاتبة مرة أخرى فقالت على لسان (زينة): «لم يكن يعنيني في كل قضاياه الوهمية سوى أن أؤكد اقتناعي التام خشية أن يتهمني بالجهل؛ هذا المارد الذي استحضره بيني وبينه، جهلي المعلوماتي والفلسفي، ولم يُخجِله جهلُه الرُّجولي بطبيعة الأنثى وما ترغب فيه»، ثم تستطرد في ذِكر ما تكره الزوجة من صفات زوجها: «هو ذلك الرجل العصبي دائمًا، العنيد، الكتوم، الصامت أبدًا إلا عندما يثرثر عن أمجاده ونظرياته في السياسة والوجود، هو ذلك الهارب من مسؤولياته، هو ذلك الرجل الذي لم يجاملني مرة بهدية بسيطة، لا يتذكر عيد زواجنا ولا عيد ميلادي، وأعياد ميلاد أولادنا أذكِّره بها»، وهذا الكلام الذي ذكرته الكاتبة على لسان (زينة) يحمل في فحواه رسالة تحذيرية للرجل في إطار النقد، الاجتماعي، ومع ذلك كله تدعو الكاتبة إلى العدل وأداء شهادة الحق، تقول على لسان (زينة): «نعم كنتَ تعطيني ما يغطِّي نفقات البيت والأولاد ويزيد، أعترف وللحق أنك كنت حنونًا مع أولادنا في أوقاتك القليلة المتاحة» فلَمْ تنكر ذلك بعد اكتشافها عدم إخلاصه لها.
ومن نصائح الكاتبة للآباء الحرص على حُسن معاملة الأولاد والعدل بينهم، وتأتي هذه النصيحة في سياق استدعاء الذكريات مِن قِبَل (زينة) التي تذكر أن أحد أبنائها الخمسة (حازم) لم يبكِ على أبيه يوم وفاته؛ لأن أباه لم يكن يشجعه على حبِّه للإلكترونيات كما كان يشجع سائر إخوته على هواياتهم؛ فقد كان يرى أن الإلكترونيات شيء تافه، ثم تعرَّض حازم للغرق واستطاع أن ينجو دون مساعدةٍ من أبيه، وتعرض الكاتبة كلام (زينة) في هذا الموقف: «وبدلًا من أن تأخذه في أحضانك أو تمتدح تصرُّفه؛ هاجمتَه ورُحتَ توبِّخه بأنه لم يُطع أوامرك بعدم التوغل في الماء!!».
ومن نصائح الكاتبة أيضًا عدم الاغترار بالظاهر، في العلاقات الاجتماعية؛ فإن (زينة) تُفاجأ أن الرسائل التي تجدها في هاتف زوجها المتوفَّى، مِن تلك المرأة التي تصف نفسها بأنها “آخر محظيَّاته”؛ هي رسائل تدل على أن زوجها كان يعيش بشخصيةٍ أخرى تتناقض مع الشخصية المحافظة الصارمة المتمسكة بالعادات والتقاليد؛ وبعد أن قرأت (زينة) كثيرًا من الرسائل الغرامية المُغرقة في الفحش والبذاءة، التي ترسلها المرأة المجهولة إلى رامي؛ يخبرها الطبيب الذي يعالجها من صدمتها النفسية الكبيرة بالمفاجأة: «زوجك الذي كان يكتبها لنفسه، كان رجلًا مريضًا، يبحث عن المغامرة ولا يستطيع ممارستها، تبهره الإثارة ولا يملك القدرة على الاقتراب منها، أراد أن يكون معشوقًا ليمنح نفسه تحقُّقًا لم يستطعه على أرض الواقع»، ولم تكد زينة تطوي تلك الصفحة حتى فوجئت بوجود خطابات عشق داخل الأظرف الصفراء التي كان يخبئها زوجها بعيدًا عنها، بل وجدت أيضًا صورًا مرسومة له، مرفقة بخطابات امرأة تُدعى (هديَّة)، هذه الصور جعلت زينة تحبه: «أعشق (رامي)، ولكن ليس هذا الرامي الذي تزوجته خمسة عشر عامًا؛ بل رامي الذي يملأ لوحات المرأة العاشقة، هذا الرجل الفاتن، صاحب الابتسامة العميقة الجميلة في لوحات (هديَّة)، شكَّلته سطورها وحكاياتها فتحوَّل من رجل كئيب عرفته وعشت معه منذ طفولتي حتى قبل أن أتزوجه، إلى حلم جميل أتمناه»، وهذه الكلمات وراءها نصيحة تقدمها الكاتبة للمرأة، وتكررها لأهميتها، وقد سبق الحديث عنها؛ وهي أن تبحث الزوجة عن عناصر الخير والجمال لدى زوجها، قبل أن تبحث عنها امرأة أخرى تختطف حبَّه واهتمامه.
لقد تناولت الكاتبة شخصية رامي بحرفية ومهارة، وأضافت عنصرًا جديدًا في قصة الخطابات التي وجدتها زينة، فقد أصبح معلومًا للقارئ أن هذه الخطابات مكتوبة بِيَد رامي نفسه، كالرسائل الهاتفية، وقد فظنت الكاتبة إلى ضرورة إضافة عنصر جديد حتى لا تكون الأحداث مكررة بشكل عبثي، فجعلت بعض الخطابات مرفقة بجواب عليها من رامي، مكتوب لكن لم يُرسَل، وكذلك الصور التي كانت تجدها (زينة) مرسلة باسم (هدية) هي مِن نِتاج رامي، رسمها لنفسه، فقد ذكرت (زينة) أنه كان يشجع أحد أبنائه (عامر) على الرسم ومشاهدة العروض المسرحية.
وقد عرضت الكاتبة صفات رامي، وتكوينه الثقافي والاجتماعي، والعوامل المؤثرة في شخصيته، والنتائج المترتبة عليها؛ وذلك بهدف النصح للأسرة والمجتمع وتوضيح أثر أسلوب التنشئة في سائر المراحل العمرية للإنسان.
مقالات ذات صلة