بيروت – فريق عمل آسي مينا
حلّ عيد الميلاد حزينًا على جنوب لبنان هذا العام ومُثقلًا بمشاعر الخوف والقلق. فالحرب المدمّرة بين إسرائيل و«حزب الله» أسفرت عن آلاف القتلى والجرحى في الجانب اللبنانيّ وشرّدت مئات العائلات وهجّرتها داخل لبنان وخارجه، تاركةً بصماتها العميقة في نفوس اللبنانيّين عمومًا ومسيحيّي الجنوب خصوصًا.
دمارٌ مهول، قرى مهجورة، ومبانٍ استحالت أنقاضًا… إنّه الواقع المرير الذي فرضته الحرب على أبناء جنوب لبنان وحتّمت على كثيرين منهم الهرب والنزوح إلى مناطق أكثر أمانًا، فيما آثر آخرون البقاء في أرضهم على الرّغم من كلّ شيء. ومع حلول عيد الميلاد، يجد مسيحيّو الجنوب أنفسهم أسرى لهذه الظروف القاسية.
في القرى الجنوبيّة، تبدو مظاهر الحزن واضحة. مشاهد الدمار والخراب تُخيّم على الأجواء وتطغى على الفرح المعتاد الذي يُرافق هذه المناسبة.
ونفوس اللبنانيّين عمومًا وأبناء الجنوب خصوصًا مُثقلة بأوجاع الحرب وما تسبّبت به من أثر سلبيّ طالَ البشر والحجَر.
تأثير النزوح
أجبرت الحرب كثيرين من المسيحيّين على النزوح من قراهم في الجنوب إلى مناطق أكثر أمانًا. ويُواجه هؤلاء صعوبات كبيرة في العودة إلى منازلهم التي أصبح بعضها مُدمّرًا ويفتقر إلى الاحتياجات الأساسيّة، وباتوا تاليًا يعيشون شعورًا بالمرارة والفقدان والأسى في خلال فترة عيد الميلاد.
وتقول سميرة س، وهي من سكّان بلدة دردغيا الجنوبيّة، لـ«آسي مينا» مُفضّلةً عدم ذكر اسمها بالكامل: «وَجعُنا كبير، لكنّ أرضنا مقدّسة ولن نتخلّى أبدًا عنها». وتُضيف بتأثّر: «لم نتمكّن من العودة بعد، فالدّمار كبير. ماذا أقول. يسوع لن يتركنا وميلاده يبعث فينا الأمل على الرّغم من الوجع».
الكنيسة ملاذ
في ظلّ اشتداد المصاعب على كاهل مسيحيّي الجنوب، تؤدّي الكنائس دورًا أساسيًّا في مساندة المجتمعات المتضرّرة، عبر تقديم الدّعم الروحي والمادّي. وتبرز الاحتياجات الروحيّة في هذه الأوقات العصيبة، ويجِد المؤمنون في الصلاة والتأمّل مصدرًا للعزاء والطمأنينة والأمل في أن يحمل ميلاد يسوع خلاصًا للبنان الذي عانى ويلات الحروب والأزمات طوال السنوات الفائتة. وتسعى الكنائس جاهدةً إلى تلبية احتياجات جميع المحتاجين، من المسيحيّين والمسلمين وسواهم، بلا تفرقة، عبر تقديم مساعدات إنسانيّة تشمل الغذاء والملابس والمأوى، في محاولة لتخفيف أعباء الحياة اليوميّة.
قلقٌ من التطرّف
وسط هذه الأجواء المليئة بالتحدّيات، يُعبّر المسيحيّون في لبنان عن قلقهم من موجة جديدة من التطرُّف بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشّار الأسد في سوريا. هذا القلق ينبع من مخاوف تأثير التغيّرات الإقليميّة، السياسيّة منها والأمنيّة، في استقرار لبنان. وبات شعور المسيحيّين بالخوف من المستقبل أمرًا جليًّا في بلدٍ لطالما كان مسرحًا لأحداث مؤلمة.
ويقول شارل أبو جودة، وهو من سكّان منطقة جلّ الديب، شمالي بيروت، لـ«آسي مينا»: «طبعًا، ما يحدث في سوريا يُثير قلقنا نحن المسيحيّين. نعيش أزمةً تلوَ الأخرى. فَلنَرَ ما سيحدث».
وعلى الرّغم من الحزن والألم والخوف، يظلّ عيد الميلاد فرصة لتجديد الأمل والرجاء في قلوب مسيحيّي لبنان، فهذه المناسبة ستبقى رمزًا لإيمانهم بمستقبلٍ مشرق ولعزيمتهم التي لا تنكسر.