مرسيليا (أ ف ب) – تشعر مؤلفة القصص المصورة زينة أبي راشد التي تروي رسومها حياتها عندما كانت طفلة في لبنان خلال الحرب الأهلية بين العامين 1975 و1990 بأن “طريق الخوف” يرتسم مجددا في داخلها اليوم في ظل ما يتعرض له وطنها الأصلي من قصف إسرائيلي.
وقالت ابي راشد لوكالة فرانس برس خلال مقابلة على هامش مشاركتها في مهرجان “لقاءات إبن رشد الجديدة” Nouvelles Rencontres d’Averroès المخصص لمنطقة البحر الأبيض المتوسط في مدينة مرسيليا الفرنسية “ما يتكرر ليس الأحداث نفسها، بل الألم، وطريق الخوف في أجسادنا، حتى بالنسبة لنا نحن اللبنانيين المقيمين في الخارج”.
عندما استيقظت ابي راشد السبت، اكتشفت أن غارة إسرائيلية استهدفت قلب بيروت ودمرت مبنى سكنيا وخلّفت عددا من القتلى.
فبعد عام من القصف المتبادل بين الحزب وإسرائيل عبر الحدود، يشنّ الجيش الإسرائيلي منذ 23 أيلول/سبتمبر حملة غارات جوية مدمرة تتركز على معاقل حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية وفي شرق لبنان وجنوبه. وباشر بعد ذلك عمليات برية في جنوب لبنان.
أسفر التصعيد بين حزب الله وإسرائيل منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 عن مقتل 3670 شخصا على الأقل في لبنان، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
وقالت الرسّامة الفرنسية اللبنانية الأصل المولودة في 18 كانون الثاني/يناير 1981 في بيروت “في ظل الدمار الهائل والقتلى المدنيين، فوجئت بأن طريق الخوف لا يزال قائما، ذلك الذي عرفته عندما كنت صغيرة، وكنت أعتقد أنني عالجته وفكرت فيه ورويته”.
وأوضحت أنه خوف من “خسارة الأشخاص الذين نحبهم” وكذلك البلد، ومن مشهد المدينة التي تتعرض للقصف.
وفي قصصها المصورة الناجحة على غرار “نموت، نرحل، ونعود، لعبة السنونو” Mourir partir revenir, Le jeu des hirondelles التي تُرجمت إلى 12 لغة، أو “أتذكر (بيروت)” Je me souviens (Beyrouth)، رَوَت بروح الفكاهة وبتواضع وحنان الحياة اليومية لعائلتها خلال حقبة الحرب الأهلية.
واضافت : “اليوم، والداي اللذان لا يزالان يعيشان في بيروت لا يزالان مذهلَين، فوالدتي قالت لي+لا تقلقي، نحن في أمان+، كما كانت جدتي تقول” خلال الحرب الأهلية، في شقتها التي كان التيار الكهربائي مقطوعا عنها على مقربة من خطوط التماس بين شَطرَي بيروت المقسمّة.
ولتبديد القلق، ترسل زينة أبي راشد إلى عائلتها صورا للأشياء الجميلة التي تراها، كونها تدرك “كم يمكن أن تكون مفيدة”.
– “ضوء” –
أخذت ابي راشد عن والدتها عبارة “يجب أن نعيش في الفجوات”، أي “مواصلة النظر إلى الأفق، والإحساس بالأشياء، والفرح، واللذة” رغم الحرب. وتؤكد “إنه شكل من أشكال المقاومة”.
ولدرء الظلام، استخدمت زينة أبي راشد الفكاهة كثيرا. في “أتذكر (بيروت)”، تصف كيف كانت ترى وهي طفلة سيارة والدتها من طراز “رينو 12” على أنها “زرقاء مع نقاط بيضاء”، في حين أن تلك النقاط لم تكن إلاّ ثقوب الرصاص في هيكل السيارة.
كذلك اكتشفت أخيرا النص المطبوع بالشاعرية لكتاب “النبي” لجبران خليل جبران، ونشرت منه نسخة مرسومة بالكامل هي الأولى من نوعها.
وصودف أن القصة المصوّرة صدرت بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مع شن حركة حماس الفلسطينية هجوما غير مسبوق على إسرائيل أسفر عن مقتل 1206 أشخاص، بحسب إحصاء لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
وردّت الدولة العبرية بحملة قصف مدمرة وعمليات برية في قطاع غزة، تسببت بمقتل ما لا يقل عن 44 ألف فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، وفق أحدث بيانات وزارة الصحة التابعة لحماس، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
ورأت زينة أبي راشد أن “كلمات جبران هي بمثابة ملاذ في اللحظات التي نمر بها، فهي تحمل الأمل والحكمة”.
وعلى مسرح “لا كرييه” La Criée الوطني في مرسيليا، قرأت أبي راشد مساء الجمعة باللغة الفرنسية مقاطع من “النبي”، فيما تولت قراءتها بالعربية الممثلة والمغنية تانيا صالح.
وتزامنت القراءات مع عرض على شاشة المسرح لرسوم أبي راشد بالأبيض والأسود، من دون اللون الرمادي. وشرحا الفنانة أن “اعتماد الأسود والأبيض يعطي صورة بعيدة عن الواقع، ويتيح للقراء (…) إنهاءها في رؤوسهم”.
لكنّ أبي راشد التي لا تزال تتحلى “بالأمل”، تقرّ بأنها، في ظل ما يتعرض له بلدها من مآسٍ، أوقفت موقتا العمل على الكتاب الذي كانت تعدّه.
وقالت “أعتقد أن اللحظة المناسبة بالنسبة لي هي عندما أتمكن من رواية قصة فظيعة، ولكن يكون فيها ضوء. نعم، يكون فيها ضوء. وهذا يستلزم وقتا”.