باكو – ألفة السلامي
أنهى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين للمناخ دورته هذا العام في باكو باتفاق في اللحظات الأخيرة، بعد مفاوضات ماراتونية وعدة سنوات من العمل التحضيري، وفي عملية كانت تتطلب موافقة جميع الدول (200 دولة) بالإجماع عل كلمة في الاتفاق الذي نص على تعهد الدول الغنية باستثمار 300 مليار دولار على الأقل سنويًا لمكافحة تغير المناخ.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتريتش” يوم الأحد في بيانه الختامي إنه كان يأمل في أن يخرج المؤتمر باتفاق أكثر طموحًا بشأن التمويل وتخفيف آثار تغير المناخ “ليرتقي إلى نطاق التحدي الذي نواجهه”، واصفاً هذا المبلغ بـ “الحد الأدنى”، لكنه أكد أن الاتفاق الحالي يوفر أساسًا للبناء عليه.
وشدد على ضرورة أن تتحول التعهدات بسرعة إلى أموال لضمان تحقيق الحد الأقصى لهذا الهدف الجديد. وتضمن الاتفاق أيضًا هدفا أوسع لجمع 1.3 تريليون دولار من تمويل المناخ سنويًا بحلول عام 2035، بحيث يشمل التمويل من مصادر أخرى (عامة وخاصة) دون تحديدها حتى يعادل المبلغ المطلوب لتحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة.
وأكد سايمون ستيل المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ إن هذا الهدف المالي الجديد هو “بوليصة تأمين للبشرية، وسط تفاقم تأثيرات المناخ التي تضرب كل بلد.. ولكن مثل أي بوليصة تأمين فهي لا تنجح إلا إذا تم دفع أقساط التأمين بالكامل وفي الوقت المحدد”، مشددا على ضرورة الوفاء بالوعود لحماية مليارات الأرواح.
وقد ظلت قضية التمويل المناخي حجر العثرة أمام التقدم في مؤتمرات المناخ السابقة، منذ (كوب 15) عام 2009. وإذا كان تأسيس صندوق الاستجابة للأضرار الذي رأى النور في مؤتمر شرم الشيخ السابع والعشرين بعد لأي وكر وفر، إلا أن هذا المكسب بدون التزام الدول الصناعية بضخ تمويلات كافية لن يحقق الهدف منه. وترى الدول النامية أن مبلغ 1.3 تريليون دولار سنويا حتى 2035 يمثل قيمة عادلة، إذا عرفنا أنه فقط 1% من الناتج الإجمالي المحلي العالمي. كما أنه لا يشكل نسبة مئوية لا تصل إلى 1% من أرباح شركات الوقود الأحفوري الكبرى في العالم. لذلك، انتقدت الدول النامية وناشطو البيئة الاتفاق معبرة عن فشل الأطراف في توفير الدعم الضروري الذي تحتاجه لمحاربة أزمة المناخ، كما أنه مجرد تأجيل لأزمة تهدد مستقبلا بكوارث مريعة في العالم، وخاصة في المناطق الهشة والأكثر تضررًا من التغير المناخي.
لكنّ خبراء اقتصاديين أكدوا أن هناك مساهمات إضافية، تؤمن الوصول إلى مبلغ الـ 1.3 تريليون دولار سنوياً، حيث ينص الاتفاق على أن تزيد البنوك التنموية متعددة الأطراف قروضها بشكل كبير أو إلغاء ديون الدول الفقيرة. وعلاوة على ذلك، تُشجَّع دول مانحة إضافية على المشاركة، دون تحديدها أيضًا، حيث أن جزءًا من الخلافات خلال المفاوضات كانت تدور حول ضرورة حذف “الزامية التمويل” للدول الغنية في الاتفاق وكذلك ضرورة انخراط دول نامية في المساهمة بصندوق الاستجابة للأضرار.
ويشير برنامج الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في وثيقة نهائية صادرة مساء الأحد إلى أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن يتجاوز الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة 2 تريليون دولار لأول مرة هذا العام 2024.
ويبدو من المفاوضات الصعبة وما تمخضت عنها أن كفة الدول الغنية كانت هي الأقوى في المؤتمر، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها من الدول الصناعية الأكثر تمسكا بصناعات الوقود الأحفوري رغم انبعاثاته الخطيرة.
ويبدو أنه لم يكن أمام الدول الفقيرة إلا القبول بهذا الالتزام المالي من البلدان المتقدمة حتى لو كان أقل من طموحها، مع ان مصدر المبلغ غير واضح حتى الآن ويستدعي المزيد من المناقشات، وستتولى قمة المناخ المقبلة في البرازيل على الأرجح هذه المهمة. وسيكون على الرئاسة القادمة تحديد آليات واضحة لضمان وصول التمويل إلى مستحقيه، وهذا جانب من مخاوف الدول الغنية خشية تبديد التمويلات في مشاريع غير فعالة أو في دول أقل احتياجاً. وقد عبّرت المجموعة الأفريقية عن أسفها للالتزام المالي “الضعيف والمتأخر للغاية” ووصفه ممثل نيجيريا بـ “الإهانة” و”المزحة”.
وتعد البلدان الأفريقية بين المناطق الأكثر تضررًا في العالم، وبشكل مزدوج، من الكوارث البيئية والصراعات وهي حلقة مشتعلة توثر في بعضها البعض وتضاعف من التداعيات السلبية على السكان.
وكان تحالف الدول النامية المعروف بـ “مجموعة 77” والصين الذي يضم أكثر من 134 دولة، قد طالب الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة عشية الجمعة أن تُخصص ما لا يقل عن 500 مليار دولار سنوياً للمناخ بحلول 2030. وكان هذا طموحا لكن لم يتحقق. بينما بالغت الدول الجزرية على ما يبدو في الطموح مطالبة بألا يقل الالتزام عن تريليون دولار سنويا لسد الفجوة التمويلية الشاسعة.
أما مفوض شؤون المناخ لدى الاتحاد الأوروبي، فوبكه هوكسترا، فخرج بعد الإعلان عن الاتفاق مدافعًا عنه، قائلا: “ضاعفنا هدف المئة مليار دولار ثلاث مرات”، واصفًا المبلغ بأنه “واقعي وقابل للتحقيق”. كما رحب وزير الطاقة البريطاني إد ميليباند بالاتفاق، واصفًا إياه بأنه “اتفاق حاسم في اللحظة الأخيرة من أجل المناخ”. قائلاً: “هذا ليس كل ما أردناه نحن أو الآخرون، لكنها خطوة إلى الأمام لنا جميعًا”.
وبعيدا عن الحصيلة المالية المخيبة لآمال الدول الأكثر تضررا من التغير المناخي، فإن هذا المؤتمر كشف التباعد في مصالح القوى العظمى والدول النامية. مع ذلك، هناك بعض المكاسب للمؤتمر والمتمثلة بالخصوص في اتفاق الدول أيضا على قواعد سوق عالمية لشراء وبيع أرصدة الكربون التي يقول المؤيدون إنها ستؤدي إلى استثمارات بمليارات الدولارات في مشروعات جديدة داعمة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، بينما يبدي المتشككون مخاوف نتيجة تجارب سابقة كشفت أن أسواق الكربون قد تُستخدم كغطاء لتجنب خفض الانبعاثات الحقيقي، إذ تعتمد بعض الشركات على شراء التعويضات بدلًا من تقليل انبعاثاتها.