محيي المسعودي
قال الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي ( إن الحسين عراقٌ حل في جسد… إن العراق حسينٌ آخر الأبد… ودهره أموي ما له شرفُ.. ) فرد عليه الشاعر السوري المعارض أنس الدغيم (مِن عَبدِ شمسٍ وشمسُ اللهِ لا تقِفُ —- ومِن (أُميّةَ) هذا العِزُّ والشِّرَفُ) فتعالوا ننظر في مفهوميهما للشرف وشعريتهما وفكريهما وانسانيتيهما وقدرتيهما على التقاط حقائق التاريخ …!
كشف الشاعر السوري المعارض أنس الدغيم في رده على الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي عن سمتين – على الأقل – الأولى هي الموهبة الشعرية، والسمة الثانية هي القدرة على التفكير والتحليل والاستنتاج أو الاستنباط والتحرر من التابوات العقائدية, ولكي لا نقع في الالتباس بين الفكر- أي قدرات العقل وديناميكيته الفعالة – وبين الموهبة التي تكون عادة فطرية , فالشعر – وليس النظم- في الغالب موهبة فطرية نجدها حتى عند الشعراء الاميين ونسميه شعر الفطرة كما هي الحال في الفنون والحرف وما شابهها وهو الى حد كبير يعتمد على ما يشبه الالهام , أي أن التفكير لا يأخذ فيه دور القيادة . وقد نجد مع الفطرة ” الثقافة ” أي وجود كم كبير من المعلومات والمعارف لدى الشاعر الفطري وغير الفطري أيضا وهو يوظفها في شعره , ولكن مع كل هذه المعلومات لا نجد للفكر دورا قياديا بارزا وأقصد بالفكر- بناء ,, تفكيك,, استنتاج – بما يعني في جانب منه القدرة على قراءة الأحداث المعاصرة والتاريخية وتحليلها واستخلاص ما فيها من قيم وأخلاق وحقوق ومظالم وكشف ما يخفيه مدونو التاريخ من حقائق . وهو أشبه بقراءة ما بين السطور كما يُقال , وبهذا أنوه الى الخلاف بين الشاعرين. ثم أن الشاعر قد يكون موهوبا ولديه معارف كثيرة ومتنوعة وقدرة على التفكير والتحليل ولكنه يفتقد لمبدأ الصواب أو الضمير الحي , ويوظف شعره حسب حاجته ومصالحه وبالعكس أحيانا. وفي الشعر العربي القديم الكثير. وقد عرفنا شعراء فحول هجو ” النبي محمد” هجاء قاسيا مثل كعب بن زهير بن أبي سلمى، ثم عادوا ومدحوه بنفس قوة وجودة شعرهم الذي هجوه به , وهذا لم يقلل من شعريتهم ولكنه يمس مبادئهم , وقد يختلف الشعراء حسب المصالح والمبادئ فنرى شعراء مثل الفرزدق , ودعبل الخزاعي . اعتمدوا المبدأ والضمير الحي ووقفوا حسب زمنهم الذي عاشوا فيه مع مظلومية الحسين بن علي بن أبي طالب ومأساته في كربلاء , بينما نجد شعراء فضلوا المال والسلطة وأروقة القصور على الوقوف مع الحق والعدل والمبدأ السليم والخلق النبيل الكريم مثل كعب بن جعيل والاخطل وجرير وعلي ابن الجهم وغيرهم الكثير. وحتى في تاريخنا المعاصر رأينا شعراء فحولا تجولوا في مدح المتناحرين، أما حسب مصالحهم أو حسب الأمزجة التي تحكمهم في حينها، ومن هؤلاء الشعراء العراقيين محمد مهدي الجواهري وعبد الرزاق عبد الواحد وقبلهم الرصافي والزهاوي وغيرهم الكثيرون.
وعلى ما تقدم نستطيع قراءة الخلاف بين الشاعر السوري أنس الدغيم والشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي . فقد ثارة ثائرة الدغيم بسبب شطر بيت لتميم البرغوثي كان على لسان زينب أخت الحسين، انتقص من الأمويين الذي قتلوا اخوتها وسبوها ونساء وأطفال آل الرسول الى الشام, وهذا الشطر هو الثالث من الثلاثة أشطر التالية ( إن الحسين عراقٌ حل في جسد… إن العراق حسينٌ آخر الأبد… ودهره أموي ما له شرفُ.. ) احتج الدغيم على تجريد عصر الامويين من الشرف ” وحتى نرى إن كان احتجاج الدغيم صحيحا أم لا وهل فكره في القراءة والاستنتاج مثل شعره قوي مؤثر , وعليه صار علينا أن نسأل هذا السؤال:
هل حقا كسب الامويون شرفا بقتلهم الحسين – سبط النبي محمد وريحانته ومعه اخوته وأولاده!! ؟؟
وهل كان هذا القتل البشع شرفا للأمويين ونزعه عنهم تميم البرغوثي بشطره الشعري !؟
وهل يرى الدغيم أن قتل بني أمية للحسين كان شرفا لهم وهو الوريث الشرعي ويحق له الدفاع عنه!!؟
وهل سبي نساء رسول الله وأطفالهم وسط جند غرباء قساة من العراق الى الشام أكسب بني أمية شرفا خاف عليه الدغيم فانبرى مدافعا عنه وهو الذي يحارب السلطات السورية بتهمة قتلها للناس !!!؟؟؟
لن أجيب على هذه الاسئلة، وأترك جوابها لمن يمتلك عقلا منفتحا وسجية إنسانية سليمة.
يقول الدغيم في رده على البرغوثي في شطر بيت آخر (فدهرُكم كِسرويٌّ ما بهِ شَرَفُ)
ما الذي أحضر كسرى في هذا الموضع !؟؟؟
أكيد هي إشارة طائفية صريحة وهي من لغة السوقة من الطائفيين وتعبر عن ضيق افقهم الثقافي والمعرفي ولوث نفوسهم وأفضلها جهلهم, فهل الدغيم منهم !؟ لأن العرب تقول في أمثالها عن العدل فلان ( أعدل من كسرى) أي أن العرب يعدون كسرى انموذجا للعدل والدغيم يعد كسرى بلا شرف، وهذا لعمري يتناقض مع المثل والتاريخ العربيين أقلهما من حيث الاسم ودلالته ,ناهيك عن قبح رائحته الطائفية . فلماذا اتى به الدغيم منتقصا من سادة العرب بني هاشم ومن يقف بصفهم بقوله ( دهركم كسروي)!؟ أكيد لأنه في هذا الشعر يخاصم آل البيت ومن معهم. وإن دعا الى تركهم , ولا أدري كيف يستقيم الظل، إذا غاب الأصل لأن آل البيت هم الأصل وشيعتهم مثل ظلهم.
ويقول الدغيم (وغادِرونا إلى تاريخِكم، فَلنا … تاريخُنا، ولنا الآتي، لنا السَّلَفُ) وهنا السؤال – وهو يخاصم أتباع أهل البيت طبعا – ما هو التاريخ الذي يريد الدغيم مغادرة أتباع أهل البيت له , واضح أنه تاريخ بني أمية لأنه يزعم أن هذا هو تاريخه لوحده ولكن. واضح أيضا أنه لا يريد تاريخ الرسول ” وأهل بيته وأتباعم وهو يعلم أن الرسول هو الأصل وهو من أسس الدولة الاسلامية التي يقول الدغيم انه ينتمي لها .
أما قوله ولنا السلف , فله بعدان، الأول السلفية المذهبية الوهابية القائمة ويشهد الجميع على قبحها وقذارتها وانحرافها وما أحدثته من خراب في الامة , والبعد الثاني يبدو أنه يُشير به الى من خالفوا الرسول وعصوه قبيل مماته بقولهم ” يهجر” وبعد مماته حين تركوه مسجى وذهبوا الى سقيفة بني ساعدة طلبا للسلطة على حساب الدين والاخلاق والشرف الذي يدعي الدغيم انه فيهم .
ويدعي الدغيم الشرف له ولبني أمية بقوله هذا البيت ( من عَبدِ شمسٍ وشمسُ اللهِ لا تقِفُ —- ومِن (أُميّةَ) هذا العِزُّ والشِّرَفُ) ولا أدري إن كان الدغيم يعلم أن كل من يفخر بهم هم أبناء بغايا وفق مصادر تاريخية متنوعة ومختلة ومتواترة , فحمامة أم أبي سفيان وهي زوجة حرب ابن أمية بن عبد شمس وجدة معاوية , كانت بغيّا وصاحبة راية حمراء في الجاهلية ” وإن الزرقاء بنت وهب, وهي بغي أيضا ومن ذوات الأعلام الحمراء أيام الجاهلية، وهي زوجة ابي العاص بن أمية , أم الحكم بن أبي العاص(الذي طرده الرسول من المدينة) , وجدة مروان بن الحكم وهي الداعية الى نفسها بسوق عكاظ بأرخص الاسعار…
وأريد أن أزيد الدغيم شرفا من شرف بني أمية الذي يفخر به، فأقول له: إن آمنة بنت علقمة بن صفوان أم مروان بن الحكم جدة عبد الملك بن مروان كانت تمارس البغاء سرا مع أبي سفيان بن الحارث بن كلدة وهذا مروان هو الذي اتوا به بعد ولادته الى رسول الله(ص) فقال الرسول ” ابعدوه عني هذا الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون ” وهذا الذي لعنه الرسول يفخر به الدغيم ويعده شرفا له… ويفخر الدغيم بجدتهم سلمى بنت حرملة وقد اشتهرت بالبغاء العلني ومن ذوات الاعلام الحمراء وهي أم عمرو بن العاص بن وائل كانت أمة لعبد الله بن جدعان، فأعتقها، فوقع عليها في يوم واحد، أبو لهب بن عبد المطلب وأمية بن خلف وهشام بن المغيرة المخزومي وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل السهمي , فولدت عمرو, فادعاه كلهم لكنها الحقته بالعاص بن وائل لأنه كان ينفق عليها كثيرا… ولآل أمية جدة أخرى بها شرف للدغيم وهي هند بنت عتبة وقد اشتهرت بالبغاء السري في الجاهلية، هي زوجة أبي سفيان التي أكلت كبد الحمزة عم النبي , وابنها معاوية يعزى الى اربعة رجال غير أبي سفيان, وهم مسافر بن أبي عمرو بن أمية , وعمارة بن الوليد بن المغيرة , والعباس بن عبد المطلب , والصباح “مولى مغن” لعمارة بن الوليد..