لبنان لم يعد ملعبًا لتصفية حسابات إقليمية أو دولية. هو وطن اللبنانيين، وحان الوقت لإعادة بناء الدولة على أسس سياسية واضحة، بعيدًا عن منطق السلاح وهيمنة المشاريع الخارجية. الدولة وحدها هي الضامن الحقيقي للسيادة والأمن والاستقرار.
لبنان بين السلاح المُقيّد والقرار المُعطَّل: حين يسقط مشروع إيران في اختبار الداخل والإقليم
تشهد المنطقة العربية تحولات جذرية أضعفت نفوذ إيران ومشروعها الإقليمي، الذي كان يمتد على محاور متعددة من لبنان وسوريا إلى فلسطين واليمن. اليوم، تبدو طهران في مواجهة استحقاقات كبرى، أبرزها تراجع قدرتها على التأثير المباشر في هذه الساحات، إضافة إلى تحديات داخلية قد تهدد استقرارها إذا لم تبادر إلى مراجعة سياساتها بما يخدم مصالح الإيرانيين أولاً.
في لبنان، لم يعد السلاح الذي لطالما رُفع تحت شعار “المقاومة” عامل حماية كما كان يُسوّق، بل أصبح عبئًا على اللبنانيين عمومًا وعلى البيئة الحاضنة له بشكل خاص. من البقاع إلى الضاحية الجنوبية، أصبحت المجتمعات التي تأثرت بسياسات حزب الله تواجه انهيارًا اقتصاديًا وخدماتيًا غير مسبوق. استمرار منطق “الحماية بالسلاح” قوض فكرة الدولة وأضعف ثقة اللبنانيين بمؤسساتهم العسكرية والأمنية، ما جعل الأمن الوطني رهينة حسابات إقليمية وحزبية.
على الأرض، تتوالى التقارير الإسرائيلية التي تعلن عن عمليات مصادرة أو تدمير مستودعات أسلحة تابعة لحزب الله، وغالبًا ما تترافق هذه الاعتداءات مع سقوط ضحايا لبنانيين. هذه العمليات المتكررة تسلط الضوء على هشاشة مفهوم “الردع”، الذي لطالما شكّل الركيزة الأساسية في خطاب المقاومة. بدلاً من حماية لبنان، أصبح السلاح ذريعة لمزيد من التدخلات الخارجية وتعريض المدنيين للخطر.
رغم مرور أكثر من 18 عامًا على إصدار القرار 1701، الذي دعا إلى وقف الأعمال العدائية في الجنوب اللبناني، لا يزال تطبيقه متعثرًا. إسرائيل تحتل ما يزيد عن 500 كيلومتر مربع من الأراضي اللبنانية، والجيش اللبناني لم ينتشر بعد في المناطق الخالية من الوجود الإسرائيلي جنوب الليطاني، رغم الإمكانيات المتاحة والدعم الدولي.
المسؤولية هنا تقع على الدولة اللبنانية التي تواجه تعطيلًا متعمدًا لإرادتها السياسية. تساؤلات ملحة تطرح نفسها: من يمنع الجيش من استكمال انتشاره؟ ولماذا تبقى السيادة اللبنانية رهينة حسابات إقليمية؟
تصريحات قيادات حزب الله التي تتحدث عن استعادة “عافية المقاومة” تبدو متناقضة مع الواقع. فعلى الرغم من استمرار الحزب في الإمساك بورقة القوة العسكرية داخليًا، إلا أن نفوذه الإقليمي بدأ بالتراجع. الدعم الإيراني، الذي شكل عصب قوته، أصبح أكثر هشاشة بفعل الضغوط الدولية وتعثر مشروع إيران في سوريا واليمن.
داخليًا، تعاني البيئة الحاضنة لحزب الله من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، ما أفقد الحزب جزءًا كبيرًا من شعبيته. ولم تعد شعارات “الحماية” و”الردع” كافية لتبرير الأثمان الباهظة التي يدفعها اللبنانيون نتيجة هذا السلاح.
المطلوب اليوم من الدولة اللبنانية ليس فقط استعادة السيادة على كامل أراضيها، بل أيضًا إعادة بناء ثقة المواطن بمؤسساتها. تطبيق القرار 1701 بحزم وتوسيع انتشار الجيش جنوب الليطاني هما الخطوتان الأساسيتان لاستعادة زمام المبادرة.