طاهر محمد الجنيد
هناك أساسيات يجب تحقيقها للوصول إلى النصر والتمكين، منها الإيمان بالله والثقة بوعده والاعتماد عليه وإعداد الأسباب المستطاعة وجهاد الظالمين والمجرمين، فقد اخبرنا الله سبحانه وتعالى بقوله ((لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)) النساء-95-.
واخبرنا سبحانه وتعالى انه يميز في الجهاد بين المجاهدين والصابرين وغيرهم ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ))ال عمران -142-
وسنن الله لا تتخلف عن التحقق اذا توفرت أسبابها وهو ما أشار إليه وأكد عليه القائد الشهيد حسين بن بدرالدين الحوثي – رحمه الله – وتابعه عليه الشهيد القائد حسن نصرالله – رحمه الله – بقوله إن النصر لا يتحقق بغير أسباب ولا امتحانات ولا ابتلاءات ولا صعوبات، لأنها تكشف معدن الرجال، فلا يمنح الله النصر لخليط، بل يناله الأتقياء الأنقياء الأوفياء، فالشدائد تفرز الرجال من غيرهم، هناك من ينسحب ومن يستسلم ومن ينهار ومن يخون، والمؤمنون الصادقون هم من يكملون المشوار وهم الجديرون بنيل النصر بعد أن غربلتهم وميزتهم الامتحانات والابتلاءات .
وكان – رحمه الله – قد أكد أن ما يحدث من أحداث شيء إيجابي، حيث كشف العدوان على غزة ما كنا نقوله ونتحدث به قبل سنوات من الآن «أن هذه الأنظمة لا يمكن الرهان عليها في تحرير فلسطين، لأنها تدير شؤونها مع اليهود من تحت الطاولة وهي مع أمريكا وإسرائيل وفلسطين لا تعني لها شيئا».
وفي قراءة سريعة لما خرجت به قمة الرياض غير العادية التي انعقدت بالتزامن مع موسم الرياض للتفسخ والانحلال، نجد أن ما قاله الشهيد حسن نصرالله حقيقة مؤكدة حيث لم يستطع زعماء وملوك وأمراء الأمتين العربية والإسلامية اتخاذ إجراء واحد يدل على صدق انتمائهم لأمة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم أو يثبت صحة ولائهم للإسلام وإيمانهم وعروبتهم، وان أقصى شيء وصلوا إليه لإيقاف المجازر الإجرامية وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية على ارض غزة ولبنان انهم أعلنوا خيبتهم وعجزهم على الملأ ودعوا الآخرين للقيام بدلا عنهم بواجبات النخوة والشجاعة والبطولة والإيمان .
لقد دعوا الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإصدار قرار أممي يلزم إسرائيل بوقف النار في غزة ودعوا المجتمع الدولي لأخذ موقف صارم من أجل السماح بإدخال المساعدات الإنسانية ووقف الحرب على لبنان ووسعوا عضوية اللجنة الوزارية للتحرك لشرح المواقف العربية والإسلامية عن جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي يباركونها ويدعمون الحلف الصهيوني – الصليبي لمواصلتها، وتضامنوا ضد موقف جمهورية ايران الإسلامية من الإجرام الصهيوني ووصل الخزي والعار بهم إلى دعوتهم لحماية السفن الصهيونية حتى تصل للمجرمين لمواصلة إجرامهم تحت مبرر حماية الملاحة الدولية.
وبينما ارتفعت أصوات العُهر والدعارة على أرض الحرمين الشريفين، انحدرت أصوات ومواقف بعض الزعامات العربية والإسلامية والقمة بشكل عام نحو إرضاء اليهود والنصارى، فكانت ظاهرة صوتية لا تمثل شعوب الأمتين، بل تلبي طموحات الإجرام .
حتى أن القمم الأخرى تفوقت على العرب والمسلمين في الدفاع عن قضايا الأمتين، فالقمة الأفريقية أقرت طرد إسرائيل من عضويتها كمراقب وسحبت سفراءها من إسرائيل ورفعت الدعاوى أمام المحاكم الدولية وقطعت العلاقات معها ومثل ذلك دول أمريكا الجنوبية، أما ما قيل انه بيان صادر عن قمة غير عادية لزعماء وملوك وأمراء الأمة العربية والإسلامية فإنه يبدو وكأنه صادر عن عاصمة كيان العدو في الأراضي المحتلة وعلى لسان ناطق حكومته –كوهين أو أدرعي في مسار الانحدار الذي وصلت إليه خير أمة أخرجت للناس كتب الله لها العزة والكرامة وأراد لها ساستها الذل والمهانة وعلى أيدي من كتب الله عليهم الذل والمهانة ولعنهم .
لقد أصبحت القمم العربية والإسلامية منقطعة الصلة بينها وبين شعوبها التي تتحدث باسمها، تهادن الأعداء وتمارس الشجب والاستنكار والتنديد وذلك كحد اقصى بل وتخلت عن ذلك إلى دعوة الآخرين لتحمل المسؤولية بدلا عنها.
بخلاف ذلك فإنها تتعاون مع الإجرام العالمي لتحطيم بعضها البعض بمبرر وبغير مبرر كما حصل في العراق والصومال والسودان والإعانة على تدمير أفغانستان، تتغاضى عن الإبادة للمسلمين أينما كانوا كما هو حاصل من جرائم الإبادة والتطهير العرقي للمسلمين في كمبوديا وميانمار وتدعم جرائم الحلف السعودي الإماراتي بحق اليمن والسودان.
حذر الله رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من المنافقين الذين يلحنون في القول وهو ذاته أسلوب بيان قمة الرياض في الدفاع عن الإجرام اليهودي، حيث ذهب البيان إلى التنديد والإدانة لليمن، لمنعها عن بذل النصرة والتأييد للمظلومين المستضعفين على ارض الرباط والجهاد غزة ولبنان. من خلال منع مرور سفن الاحتلال والدول المرتبطة معها في البحرين العربي والأحمر، حتى يتم إيقاف الإجرام والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين في غزة الذين يموتون من الجوع .
وهنا اختار البيان قوله- إن ذلك تهديد للملاحة الدولية وتهديد للتجارة العالمية مع علمهم أنها تخص سفن الإجرام الصهيوني وهي سفن تؤمن إمداد الإجرام الصهيوني بالأسلحة والعتاد لإكمال ارتكاب جرائمه في حق المستضعفين هناك.
من وجهة نظرهم، فالواجب على اليمن بتأريخها العظيم في نصرة الرسول والرسالة بعد أن خذلوه وأخرجوه أن يدعم الإجرام الصهيوني الصليبي ويقبل الإغراءات التي قدمت له من المجرمين ويخذل الأشقاء، كما فعلوا هم، فيسمح بعبور سفن الإجرام والمجرمين، كما فعلت بعض الأنظمة بتزويد اليهود بتفاصيل كاملة عن أنفاق المقاومة والمساعدة في إغراقها بمياه المجاري وإنشاء ممر فيلادليفا لمنع هروبهم من الإجرام الصهيوني، وأيضا باستقبال السفن المحملة بالأسلحة المتجهة للعدو والتي رفضت الموانئ الأوروبية والأفريقية استقبالها وتزويدها بالوقود أو كما فعلت الإمارات والسعودية والأردن بتسيير الجسور البرية لتأمين احتياجات استمرار الإجرام في حق الأطفال والنساء والشيوخ .
الخيانات والعمالة والصهينة هي أكبر المصائب التي منيت بها الأمة وستظل وصمة عار تطال كل الذين أهانوا شعوبهم لصالح أعدائها .
غيبوا شعوبهم في السجون والمعتقلات وكمموا الأفواه ونشروا الطغيان والاستبداد وقبلوا بالذل والإهانة على أيدي شذاذ الآفاق الذين لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة .
يسعون لإرضاء اليهود والنصارى مهما كانت مطالبهم، وها هو ترامب يطالب بزيادة مساحة الأراضي التي اغتصبها اليهود ويلبي مطالب زعماء الإجرام، والملوك والرؤساء لن يرفضوا، بل انهم ينفذون أجندات الحلف الذي قسّم الأوطان وسلمها اقطاعيات لهم وجعلهم حراساً لها ترامب لا يخفي حقيقتهم وهم لا ينكرون «الفضل في وجود إسرائيل وبقائها السعودية ولولاها لانتهت إسرائيل ولولا السعودية لما تم إنشاء أكبر قاعدة عسكرية» طبعا بعد القاعدة الأولى «إسرائيل».
لقد حوّل الملوك والرؤساء وجوههم شطر خدمة المشاريع الصهيونية، فتم سجن العلماء وأصحاب الرأي واستبدالهم بدعاة العهر والتفسخ والانحلال، ووصل الأمر إلى تدنيس أرض الحرمين الشريفين قبلة المسلمين ومهبط الوحي ومحضن آخر الرسالات السماوية التي أنزلت على خاتم الأنبياء والمرسلين.
وبدلا من نصرة الأشقاء على أرض غزة ولبنان، أرسلت القمة الطارئة صواريخ الإدانة والشجب، فصفقوا واحتفلوا بنتائج خيبتهم خاصة وأنها تمت برعاية «ابن العم» كما قال بن جوريون عن مؤسس المملكة الذي وعد اليهود البريطانيين وأوفى لهم وبارك وعد بلفور ووعد نابليون للمجرمين بمساعدتهم على إبادة شعب فلسطين واستبدالهم باليهود من شتى بقاع الأرض.
عقدت القمة على وقع تناثر دماء وأشلاء النساء والشيوخ والأطفال، والزعماء يدعون الآخرين للتدخل بدلا عنهم، وأبواقهم يتباكون على أن تطاير ذاذ البول أهم وأعظم حرمة من دماء المسلمين التي يفتك بها المجرمون في خسة ووضاعة لا تقارن، يستفسرون عن صحة الصلاة في ثوب عليه دم بعوض، بينما لا يهتمون بسفك دماء أكثر من مائة وخمسين ألف شهيد وجريح، مع أن هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم.