تاريخ النشر :
الجمعة
12:27 2024-10-11
دائما وأبداً، تقبل النصوص المفادة عناصرها من المورث الشعبي القراءات المتعددة التأويل عبر تبدل الأزمنة والأمكنة، ولا يزال المبدع الدرامي، ينهل منها، أثناء انشاء صياغاته المسرحية، لأنه يُحمّلها أسئلة الراهن بيسر وسهولة، ووفق سياق رمزي في أغلب الأحيان، لمقدرة متن هذا الموروث بعناصره الدرامية تحقيق الفرجة المسرحية، بمخلف جمالياتها السمعية والمرئية الأخاذتين.
وقد أفادت من هذا المعطى السابق هيا صالح في كتابتها الدرامية لمسرحية “الرداء العجيب”، المقدم للأطفال على مختلف أعمارهم، خصوصاً والأسرة عموماً.
المخرجة المسرحية سهاد الزعبي، التي قدمت هذه المسرحية، ضمن مهرجان مسرح الطفل الأردني في دورته الرابعة عشرة، في الموسم المسرحيي الأرردني لعام 2024، على مسرح هاني صنوبر، اشتغلت في إنشاء معمارها الجمالي، في الفضاء المسرحي، ومنذ المشهد الاستهلالي، وحتى الختام، ووفق البنائين السمعي والبصري على محاكاة عوالم الطفولة.
وقد حضر التوازن في رؤية المخرجة الزعبي لنص العرض بين محمولات أداء الممثل أساسا، وبخاصة في توظيف الرؤية الإخراجية لتقنية انساق لغة الجسد، لدى الممثلين، وأنساق كلاً من البنائين البصري والصوتي
فانطلق الفعل فضاءً كان في تجسيداته احتفالاً، محمولاً على أنغام أغنية (يا فراشة نقيها، خلي الزنبق يصرخ من قلبه موال)، و(يا فراشة نقي لي أحلى زهرة..) هذا من جهة، من جهة أخرى على لوحات حركية مرئية راقصة تفيض تعبيريتها بالمرح والبهجة الأخاذتين.
أنبأت العلامات المركزية والإشارية والروامز اللسانية وغير اللسانية، لأداء كل من الممثلين ضمن النظام السيميائي للعرض، عن هواجس وأمزجة متناقضة ومتمايزاة، لا بل طرحت مفارقات قيمية لمحمولات الشخصيات الرئيسية: إبنة شهبدر التجار (قمر)، والفلاح (عمران)، وشخصية (مدبرة المنزل).
وكانت الأحداث تندفع إلى أمام بفعل ظهور نوازع الشخوص العميقة المتقلبة التي تميل إلى العدوان تارة، من قبل شخصية (مدبرة المنزل)، وتارةً أخرى تلك التي تتأسس على العلاقات الإنسانية وقيم الحب، عبر محمولات (ابنة التاجر)، والفلاح (عمران).
إلا ان الثابت بقي في هذه المسرحية، المتقلبة أمزجة شخوصها بين الخير والشر، هو الحضور القوي لقيمة الحب العائلي بين (شهبندر التجار) كأب و (قمر) إبنته، في سياق رسائل هذه المسرحية المتعددة.
الحكاية بمنطوقاتها السمعية والمرئية، كانت الناظم الدلالي المركزي، في شد الجمهور للفعل على خشبة المسرح. بأنشائها الفضاءات الزمنية الداخلية للعرض، التي ظل المتلق يتواصل معها حتى نهاية الفعل في المسرحية.
لعبت الأغنية في تعميق رسائل المسرحية، والتي منها: تكريس العمل لإزالة الظلم الذي وقع على (شهبندر التجار) بإزالة السحر الذي أوقعته (مربية المنزل) عليه، من اجل أن يكره طفلته (قمر)، ويطردها خارج قصره؛ عبر محمولات أغنية (يا سلام..سنزيل السحر ونعود للبيت).
وكذلك لعبت محمولات الأغنية في إعادة النسيج الأسري الذي فقد، بسبب مكائد (مدبرة المنزل)، عبر رمزية إعادة عبائته أو رداء شخصية (شهبندر التجار). التي جسدت المظلة العائلية فيما بين ( قمر) وأباها عبر أعنية: (سأصلح الرداء ليعم السلام)، وعبر إعادة مفهوم دفء العائلة: (محبتنا في ترابطنا..الحياة عبارة عن نسيج يعاضض بعضه بعضاً).
أما على المستوى البصري، فقد حفل بالتكوينات الجسدية، التي شكلت مجسدات علاماتية سينغرافية، خدمت ووظفت إنشاء المناخات والفضآت لنص العرض، فابتداء من الأزياء التي أشارت إلى الفئة العمرية لحضور شخصيات الأطفال كما في (قمر)، والاجتماعية في شخصية (الفلاح عمران)، و(شهبندر التجار)، والمهنية كما في (الحارس).
فضلا عن أساليب الأضائة التي كانت تنشء فضاءات لونية تبعاً لمناخ كل مشهد، وحيزات مكانية، تشير لحضور الأجواء الريفية، بتعزيز من الصور على خلفية المسرح، ومجسم لجذع شجرة.