د. دينغ لونغ:
د. دينغ لونغ
التكامل الاقتصادي بين الصين والخليج قاعدة قوية للاستثمار الثنائي
الاستثمار التراكمي من الخليج في الصين بلغ نحو 40 مليار دولار
حجم المبادلات التجارية بين الصين ودول الخليج بلغ 286.9 مليار دولار بالعام 2023
بعد انعقاد القمة الصينية العربية الأولى والاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، قام رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، حديثا، بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتم في الزيارة التوصل إلى عدد من التوافقات المهمة في التعاون الاقتصادي والتجاري والتنموي. وتعكس ثمار هذه الزيارة الصورة المستقبلية للتعاون الصيني العربي، خصوصا في مجال الاستثمار الثنائي، الذي قطع شوطا كبيرا في الآونة الأخيرة، ما يكتسب أهمية كبرى في تعميق التعاون بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في المرحلة المقبلة.
منذ انطلاق التعاون الصيني الخليجي بشأن مبادرة الحزام والطريق، طرحت الصين تباعا سلسلة من المبادرات والرؤى لتعزيز التنسيق الاستراتيجي بين الجانبين استجابة لتطورات العصر واحتياجات التنمية لكلا الجانبين. واكتسبت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين ودول الخليج زخما قويا منذ انعقاد القمة الصينية العربية الأولى في الرياض بالنجاح التام نهاية العام 2022، إذ بلغ حجم المبادلات التجارية بين الصين ودول الخليج 286.9 مليار دولار بالعام 2023، وظلت الصين الشريك التجاري الأول للخليج منذ العام 2018. وعلى أساس التعاون التقليدي في مجال الطاقة، تمتد مجالات الاستثمار لتشمل الابتكار التكنولوجي والصناعات المتقدمة والزراعة الحديثة والاستزراع السمكي وإلخ. وتم إطلاق مشروعات عملاقة عدة بين الجانبين في التكنولوجيا العالية والصناعات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية ومركبات الطاقة المتجددة في السنوات القليلة الماضية، وفي مقدمتها، مشروع الحوسبة السحابية لشركة هواوي، ومشروع صناعة الحاسب الآلي لشركة لينوفو، ومشروع ألواح الصلب بالشراكة بين مجموعة باوستيل الصينية وأرامكو السعودية. وتمثل هذه المشروعات أعلى مستويات التطور التكنولوجي عالميا من حيث الابتكار والبحث والتطوير وعمليات الإنتاج وحماية البيئة. وبلغ إجمالي حجم الاستثمار الثنائي نحو 20 مليار دولار منذ انعقاد القمة، كما ازداد حجم الاستثمار في الحافظة المالية، إذ تتدفق استثمارات الصناديق السيادية الخليجية إلى الشركات المدرجة على البورصات الصينية بمليارات دولارات بالسنوات الأخيرة.
لم تأت هذه الموجة من الاستثمار الثنائي من قبيل الصدفة، إنما هي مبنية على المزايا التكاملية بين الجانبين، إذ تعد دول الخليج أهم مصادر الاستثمار في العالم، إذ كونت رصيدا هائلا من العائدات النفطية في العقود الماضية، بحيث بلغت أصول صناديق الثروة السيادية الخليجية نحو 4 تريليونات دولار، وكانت غالبية هذه الأموال تتدفق إلى أوروبا والولايات المتحدة. ومع تنفيذ استراتيجية تنويع القاعدة الإنتاجية ومصادر الدخل على ضوء الرؤى التنموية الطموحة وسياسة “النظر إلى الشرق”، أصبحت الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة وجهة استثمارية جديدة لها، وبلغ الاستثمار التراكمي من الخليج في الصين نحو 40 مليار دولار؛ كون الصين مصنع العالم، ومن أهم الدول في إنشاء البنى التحتية والابتكار التقني وريادة الأعمال، ما يمكنها من الإسهام في تحقيق الرؤى التنموية لدول الخليج. وبعد انعقاد القمة الصينية العربية، شهد الاستثمار الصيني الخليجي طفرة نوعية، حيث تسابقت صناديق الثروة السيادية الخليجية على الاستثمار في الشركات الصينية في مختلف القطاعات، على سبيل المثال، أنشأت شركة أرامكو السعودية صندوقا استثماريا موجها إلى السوق الصينية. وقد فتحت جميع صناديق الثروة السيادية الخليجية مكاتب التمثيل في الصين. وفي الوقت نفسه، توجه عدد كبير من الشركات الصينية إلى الأسواق الخليجية، وأصبح “استثمر في الخليج” شعارا مدويا وخيارا استراتيجيا لعدد متزايد من الشركات الصينية حيث قامت أكثر من 1000 بعثة تجارية صينية بزيارة لدول الخليج بحثا عن فرص الاستثمار بالعام 2023.
ومن أجل تعزيز هذا التوجه الاستثماري ودعمه من قبل الجانبين، يجب على الصين ودول الخليج بذل مزيد من الجهود باتخاذ السياسات والتدابير التالية:
أولا، تعزيز التكامل في استراتيجيات التنمية للجانبين، واستكشاف مجالات وصناعات استثمارية جديدة: يمكن للصين ودول الخليج في اكتشاف مزايا تكاملية جديدة لدعم التحول الاقتصادي لدى الطرفين، سعيا للجمع بين مزايا الصين في التصنيع والتكنولوجيا من جهة، والمزايا الخليجية في المال والاستثمار من جهة أخرى لجعل الطرفين “الشريك الاستثماري المثالي” للطرف الآخر، وللمساهمة في تحقيق أهداف التنمية الخاصة بكل منهما. كما على الجانبين إعطاء أولوية قصوى لمجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والتصنيع المتقدم والطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات الكربونية، وغيرها من المجالات الجديدة والواعدة بغية فتح آفاق جديدة للاستثمار الثنائي.
ثانيا، اجتذاب مزيد من الفاعلين للمشاركة في الحركة الاستثمارية: ظل عدد الفاعلين والمشاركين في حركة الاستثمار الثنائي بين الصين ودول الخليج محدودا جدا، حيث تحتكر الشركات الكبرى والمؤسسات المملوكة للدولة حركة الاستثمار بين الجانبين، ولم تتح للشركات الصغيرة والمتوسطة الفرصة للمشاركة فيها. وفي حقيقة الأمر، يمكن لهذه الشركات أن تلعب دورا لا غنى عنه في زيادة الحيوية الاقتصادية وخلق فرص العمل. وتكتسب مشاركة المؤسسات التكنولوجية والشركات الناشئة أهمية استثنائية في الاستثمار الثنائي.
ثالثا، تعزيز دور وسطاء الاستثمار: تواجه الشركات التي تستثمر في الطرف الآخر صعوبات وتحديات كثيرة كالاختلافات الثقافية والحواجز القانونية وما إلى ذلك. ويمكن لوكالات ومكاتب خدمات الاستثمار أن تلعب دورا مهما في إيجاد فرص الأعمال والتواصل مع الشركات وتقديم الخدمات الاستشارية والقانونية وما إلى ذلك. في الوقت الحاضر، لا يوجد سوى عدد قليل من وسطاء الاستثمار العاملين بين الصين ودول الخليج، ما يحد من التطور المستدام لحركة الاستثمار الثنائي. وبهذا الصدد، يمكن لوكالات خدمات الاستثمار والشركات الاستشارية ومكاتب المحاماة ومراكز الأبحاث وغيرها من المؤسسات في كلا الجانبين أن تلعب دورا أكبر في ترويج الاستثمار.
وأخيرا، تعميق فهم الطرفين لبعضهما البعض: هناك عجز معرفي بين الصين ودول الخليج لأسباب عديدة كالمسافة الجغرافية، ويجب زيادة التفاهم بين الجانبين، إذ لا يعرف الخليجيون ما يكفي عن مستوى التنمية في الصين، ويفتقرون إلى تعزيز الثقة في المنتجات الصينية وتبديد الخرافات بشأن المنتجات والتقنيات الغربية. كما يحتاج رجال الأعمال الصينيون إلى تبديد الاعتقاد الخاطئ بأن أرض الخليج مليئة بالذهب وينبغي لهم تكوين معارف أساسية قبل التوجه إلى دول الخليج، وذلك سيؤدي إلى الخسائر حتى فشل المشروع، علما أن دول الخليج هي السوق المتقدمة في مجال البنية التحتية والمنتجات الاستهلاكية والتكنولوجية، وهذا يتمثل في معايير البناء والتشييد والإشراف على الجودة وغيرها من الجوانب. لذا فالنجاح في الاستثمار في دول الخليج ليس بأمر يسير، والنجاح محصور للمستثمرين الذي يتوجهون إلى بلد آخر وبين يديه خطة استثمارية مدروسة.
د. دينغ لونغ، أستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط، جامعة شانغهاي للدراسات الدولية
تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الإلكترونية الربحية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الإشارة للمصدر.